Commentary

الأمل الأفضل للعراق هو تأسيس صلات أمتن مع الخليج، بمساعدة أمريكية

Iraqi Prime Minister Mustafa Al-Kadhimi speaks during a news conference in Basra, Iraq, July 15, 2020. Ahmad Al-Rubaye/Pool via REUTERS

فيما كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي متوجّهاً نحو العاصمة الأمريكية واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض يوم الخميس، ترك خلفه بلاداً غارقة في أزمة. فالبيئة السياسية العراقية منقسمة للغاية، وتعمّ البلاد احتجاجات حول الشكاوى الاجتماعية الاقتصادية. ويواجه الاقتصاد العراقي انهياراً محتملاً وسْط تراجع أسعار النفط وتداعيات التوتّرات الأمريكية الإيرانية. وقد أدّى كلّ ذلك إلى زعزعة البيئة الأمنية، علماً أنّ هذا الأمر يجري طبعاً في خضمّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ.

وليس رئيس الوزراء، الذي تبوّأ منصبه في مايو في خضمّ هذه الأزمات، بغافل عن ضرورة معالجة هذه التحديات بأسرع وقت. وقد صوّر حكومته على أنّها حكومة انتقالية، عازماً على إعادة بعض الاستقرار إلى البلاد. لكن كيف بإمكان الكاظمي تخطّي هذه التحديات كافّة؟ فالطريق نحو التعافي ستكون محفوفة بالمشاكل المتداخلة والمتنوّعة في وقت يبحث فيه شعب مُحاصر عن بعض الراحة من الدمار والصراعات التي شابت البلاد على مدى العقدَين الماضيين. لكنّ مسار العراق الأهمّ نحو التعافي قد يأتي بشكل صلات أوثق بالدول الخليجية العربية. فحتّى الآن، لم تستثمر الأنظمة الملكية الخليجية طاقة وموارد كبيرة في العراق فيما واجه شركاؤها الأمريكيون والأوروبيون صعوبات لتعبيد الطريق أمام المزيد من الدعم والاستثمارات الخليجية للعراق مع محاولتهم إحلال الاستقرار في البلاد في خلال الحملة المناهضة لتنظيم داعش في السنوات الأخيرة الماضية. ومع دعم وقيادة أمريكيين، بإمكان العراق أن يندمجَ من جديد في العالم العربي ويعيدَ تنشيط علاقة مع الخليج ترتكز على المصالح المشتركة للمساعدة على إنعاش الاقتصاد ويخفّفَ من اعتماده على إيران في خضمّ ذلك.

لمحة تاريخية وجيزة

اتّسمت علاقات العراق مع دول مجلس التعاون الخليجي بعدم الاستقرار والتأزّم منذ الاجتياح العراقي في العام 2003، إذ باتت البلاد بعد ذلك نقطة انطلاق للصراع بالوكالة والحرب السياسية بين إيران والعالم العربي. ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، ولا سيما بعد الربيع العربي في العام 2011 عندما دعمت شخصيات سياسية ودينية بارزة عراقية المحتجّين الشيعة في الخليج. وأبعد المالكي معظم العالم العربي، فيما أبعدت سياساته المذهبية وتهميش العرب السنّة الأنظمة الملكية في مجلس التعاون الخليجي أكثر فأكثر. في غضون ذلك، افتقر مجلس التعاون الخليجي إلى سياسة استراتيجية متينة وطويلة الأمد إزاء العراق، وانخرطت بعض الدول الخليجية في تمويل المجموعات المحاربة في العراق التي كانت مسؤولة عن هجمات إرهابية متنوّعة.

وتتحمّل الولايات المتّحدة جزءاً من اللوم لهذا التدهور في العلاقات. فقد دعمت المالكي في العام 2010 بعدما أجرت البلاد انتخابات نيابية، ممهّدة الطريق لذاك القائد السلطوي بشكل متزايد لكي يشكّل تحالفاً ويقمع خصومه السياسيين من العرب السنّة. وفي الكثير من النواحي، أقنع ذاك دول مجلس التعاون الخليجي أن العراق بات فعلياً قضية خاسرة. لكن برزت بعض بوادر الأمل، على غرار الارتباطات الثنائية في العام 2017 التي وعد في خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القيام باستثمارات في العراق. وفي تلك السنة، أصبح عادل الجبير أول وزير خارجية سعودي يزور بغداد منذ عقود، فيما زار رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي الرياض مرّتين.

لكن غالباً ما عرقلت الديناميات السياسية المحلّية العراقية هذه الجهود. ولم يكن مُسعِفاً أنّ الفاعلين السياسيين العراقيين المعتدلين الذين في وسعهم تأييدُ إقامة علاقات أمتن مع الخليج وتأسيسُها تحلّوا بالقليل من السلطة. وفي الوقت عينه، زاد نفوذ المجموعات المتحالفة مع إيران، وعارضت بقوّة فكرة بروز علاقات أوثق بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي لأنّ ذلك يضرّ بها سياسياً، ولا سيّما إذا ترأست واشنطن الجهود.

الوضع الراهن

في الوقت الراهن، تندرج مقاربة الخليج العربي الواسعة إزاء العراق ضمن ثلاثة خطوط عريضة: عند الإمكان، الانخراط دبلوماسياً مع النخبة الحاكمة في بغداد وتنمية الصلات السياسية والاقتصادية واحتواء النفوذ الإيراني.

وكان لبعض الدول الخليجية، كالكويت، علاقات إيجابية أكثر مع العراق. فقد كانت الكويت الدولة الوحيدة التي لها حضور بارز في قمة الجامعة العربية في بغداد في العام 2012، واستضافت مؤتمر إعادة إعمار العراق منذ سنتين. في المقابل، ليس للمملكة العربية السعودية سفيرٌ حتى الآن في بغداد، مع أنّه أُفيد في مايو أنّ السفير السعودي في العراق سيستأنف مهامه في أقرب وقت ممكن. والعلاقات مع قطر رديئة، على ضوء التمويل المزعوم الذي قام به مانحون قطريون أثرياء للمحاربين السنة في العراق وتواطؤ المجموعات المتحالفة مع إيران في خطف قطريين في العام 2016.

وكان للبحرين علاقات متخبّطة مع العراق، ولا سيّما منذ العام 2011 بعد أن احتشد المحتجّون ضدّ الحكومة بدعم من الطبقة السياسية الشيعية في بغداد. وقد أنشأت الإمارات العربية المتّحدة علاقات متينة وشخصيّة مع وسطاء ومراكز قوّة بارزين، بمن فيهم شخصيات وأحزاب قوية في إربيل وبغداد. وتحظى بسمعة محترمة في العراق بأنّها مركزاً إقليمياً للإبداع والتجارة. قد استثمرت شركة نفط الهلال الإماراتية للطاقة أكثر من ثلاث مليارات دولار في العراق وأبرمت اتفاقية لبيع الغاز لمدة عشرين سنة مع حكومة إقليم كردستان.

لكن من المستبعد أن تزدهر الصلات بين العراق ومجلس التعاون الخليجي قبل أن يتوقّف عن النظر إلى العراق من خلال عدسة اعتباراته الأمنية الخاصة إزاء المجتمعات الشيعية في الخليج وقبل أن يصبح العراق قادراً بالفعل على تأسيس علاقاته الخارجية من دون الإذعان لتفضيلات إيران. لكن لا ينبغي لذلك أن يؤخّر محاولات الجهتَين لتعزيز قيام شراكة استراتيجية ومستدامة.

الدور الأمريكي المحتمل

ماذا بإمكان الولايات المتّحدة أن تفعله؟ على عكس المسائل والأهداف الأخرى (على غرار إجراء انتخابات حرّة وعادلة لإحلال الاستقرار في البلاد واستعادة ثقة الشعب بالدولة أو لكبح جماح الميليشيات)، يبرز نفوذ وقدرة أمريكيان أكبران لرسم معالم العلاقات بين العراق ومجلس التعاون الخليجي، نظراً إلى اعتماد العراق على الدعم الأمريكي والشراكات الأمريكية الاستراتيجية العريقة في الخليج.

أولاً، ينبغي على واشنطن أن تستمرّ في مساعدة العراق على تحقيق خارطة الطريق الموضوعة للوصول إلى الاستقلالية في مجال الطاقة. ويتطلّب ذلك وصل شبكات الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي والعراق لمعالجة النقص المزمن في الكهرباء في العراق، وهذا أمر رحّب به الشعب العراقي ويمكنه أن يشكّل أساساً لعلاقة ذات منفعة متبادلة بين العراق والدول المجاورة.

لكن لن يكون لهذا الجهد وغيره من الجهود طائلٌ إن تُركت مسألة رسم معالم العلاقات بين العراق والخليج للقوى المعارضة لمجلس التعاون الخليجي وللولايات المتّحدة. فلن يبدو الوضع من الخليج جيداً إذا اعتمدت استثمارات مجلس التعاون الخليجي بشكل شبه تام على بقاء الكاظمي في السلطة، وسيفشل الاعتماد على مؤسّسات الدولة العراقية إن خضعت هذه المؤسّسات للنفوذ الإيراني. وسبق أن جرّبت الولايات المتّحدة هذه المقاربة وفشلت عندما وضعت استراتيجية ترتكز بشكل شبه حصري على قدرة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على البقاء في السلطة. فقد روّجت له واشنطن في المنطقة، لكن لم يتم اعتباره في الخليج يوماً على أنّه قائد قوي وقادر. ثمّ حلّ في مرتبة ثالثة مُحرجة في انتخابات العام 2018، على الرغم من نيله دعماً هائلاً من الولايات المتحدة.

وللكاظمي علاقات عريقة مع دول خليجية وسبق أن استُقبل بحرارة، شأنه شأن وزير المالية في حكومته ونائبه علي علاوي. لكنّ انخراط بغداد وحكومة إقليم كردستان (شريك للولايات المتحدة من زمن بعيد) حالياً بخلاف كبير حول صادرات النفط وتقاسم العائدات يعقّد الأمور. فسيكون لهذا الوضع تداعيات سياسية واقتصادية ويضيف تحدياً آخر إلى لائحة التحديات الكثيرة التي يواجهها العراق أصلاً. لذا يعتبر التسلسل مهماً: فإن كانت الولايات المتحدة غير قادرة على مساعدة حليفَين من أهمّ حلفائها في العراق من أجل الوصول إلى اتفاق مديد حول النفط، فسيتساءل مجلس التعاون الخليج كيف ستُنشئ واشنطن شراكة استراتيجية بين العراق وثلاث جهات فاعلة إقليمية على الأقلّ في خطوة يمكنها إعادة رسم المشهد الجيوسياسي أو إن كانت واشنطن قادرة على ذلك.

ما تستطيع الولايات المتحدة فعله وما ينبغي عليها فعله هو وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية لتشكّل إطاراً لتأسيس ما سيكون فعلياً محوراً بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي في بغداد وتحالفاً سياسياً مؤيداً لمجلس التعاون الخليجي في بغداد يولّد إحساساً بالاتّجاه وتناغماً بين الصلات الواسعة التي تتحلّى بها بعض الجهات الفاعلة أصلاً بالخليج. وسوف يطوّر ذلك السبل للوصول إلى علاقة طالت الحاجة إليها. وهي تسمح باعتماد مقاربة ترتكز على الإنجازات وتخفّف من المخاطر على استثمارات مجلس التعاون الخليجي، فتكون مقاربة تبتعد عن التركيز المعياري على الاستقرار السياسي في البلاد ككلّ (وهو أمر غير واقعي). عوضاً عن ذلك، تفسح هذه المقاربة المجال أمام تشديد على الاستقرار السياسي بين حلفاء الولايات المتحدة كنقطة انطلاق، لكي ترتبط الاستثمارات الاقتصادية التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي في العراق بقدرة واشنطن على التوسّط في النزاعات بين حلفائها وفي التوافق السياسي بين المجموعات ذاتها التي ستكون قدرتها على العمل معاً عنصراً أساسياً لقيام علاقة مجدّدة بين العراق والخليج.

ومن شأن إنشاء مجموعة من المحفّزات والهيكليات المالية والدبلوماسية لهذه المجموعة من صانعي القرارات أن يساعدهم على تخطّي حالة التجزّؤ وتوجيه بغداد أكثر نحو الخليج. وسيساهم ذلك في معالجة المسائل الكامنة الأخرى التي تترافق مع التحسين الكبير في صلات مجلس التعاون الخليجي بالعراق: التهديد الآتي من إيران. فمن خلال مزيج من التهويل والإكراه، سوف تُفشِّل إيران والجهات المتحالفة معها العلاقات المحسّنة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، لكنّ قدرتها على تحقيق ذلك ستضعف بشدة في حال عجزت عن استغلال الانقسامات بين أخصامها وواجه نفوذها السياسي مقاومة شرسة داخل البرلمان العراقي. فبإرشاد أمريكي، بإمكان الفرصة لتحويل مكانة الخليج ومداه ونفوذه العالمي، فضلاً عن مراكزه التجارية وقدرة وصوله إلى الأسواق العالمية وقدرته الإنفاقية، إعادة إحياء علاقة يحتاج إليها العراق والمنطقة ككلّ بشدّة لتحقيق استراحة ما من الصراع وعدم الاستقرار.

Author